اتجاه الكتابة لديّ مقلق ٌ جدا ً .. أنا الذي لم أكتب عنّي أبدا طوال مسيرتي في الشبكة العنكبوتية , كنت أرضي الآخرين بالتحدّث عنهم , عن مشاعرهم , عن جمالهم ..
كنت ُ ( فعل ٌ ناقص ) مهما فعلَ سيظلّ ناقصا لأنه من الماضي بعد َ هذه المقالة ِ التي ربّما سأحذفها بعد كتابتها , أو بعد أسبوع .. شهر .. لا أعلم في الحقيقة ِ متى سيعادوني شعور الممثّل المبدع الذي يحاول أن يضع قناع الآخرين عليه و يتكتّم على بساطة شخصيته الحقيقية ..
أكتب عنّي .. عن أصفاري الكثيرة لأنها المرّة الأولى التي تحاول أرقامي الظهور فيها للعلن .. الصفر الأوّل : في منزلنا قبل 25 سنة تماما ً كانت طفلة ٌ صغيرة ٌ من جيراننا تلهو و تلعب أثناء اجتماع النسوة ِ .. النسوة الـ يجتمعون كل ّ يوم أحد ٍ في بهو منزلنا الصغير ِ يشنّفن أسماعهن ّ بأصوات العزاء و الحزن على النبي و آله و يجعلون من مآتهم صفيقا لذيذا جدا .. الطفلة تلك َالتي تلهو وتلعب مرّت بقرب القدو ( أحد أنواع المعسّل يشربه النسوة في قريتنا ) فانزلقت و أمالته إلى أن سقطت جمرة ٌ واحدة .. جمرة ٌ واحدة فقط , كانت كافية ً لأن تسقط على خدّ الرضيع الذي يرقد بجواره .. الرضيع ذاك أنا .. و الجمرة ُ كانت أوّل قبلة ٍ مؤلمة ٍ .. بعد أسبوع فقط .. توَفّت الطفلة
الصفر الثاني : كنّا نجتمع كل ّ صباح الساعة 6.30 لنذهب معا ً للمدرسة مع أولاد الجيران , كنّا نعشق الخروج معا ً و نعشق الجلوس معا ً في الفسحة و الهروب ِ من جدران المدرسة بعد الحصّة الرابعة ِ .. كنّا أصدقاء ً منا لصعب أن تفرّق بينهم , كنّا ( فعل ناقص ) في الصف الثالث ابتدائي .. جاء مدير المدرسة في الصباح الباكر بطابور المدرسة و اعلن عن تشييد مدرسة جديدة قرب منزلنا .. فرح الطلاّب جميعهم و تراقصنا كالمجانين .. ذكر المدير أسماء الطلاّب المنقولين .. جميعهم إلا أنا جميعهم ينقصهم لا شيء .. فرحوا و لم يسأل أحدهم عن عدم تواجدي معهم أثناء خروجهم .. مرّوا بشنطهم الصغيرة ِ عليّ و ذهبوا .. مرّوا ول م يتعرّفوا على ملامحي .. كنت غريبا ربّما .. غريبا منذ الصباح التالي و ( وحيدا ) ..
الصفر الثالث : في الساعة الرابعة صباحا ً كنّا شبه َ نائمين تغفو على عيوننا سحابة الحلم ِ و لا تمطر ُ بشيء .. كنّا امام الشبرة ( سوق الخضار في وسطة مدينة الدمام ) في يومنا الأوّل للعمل ِ كحمّالين َ يملئنا الأمل ُ بأن نتحمّل اليوم الأوّل الذي سيستمر في حمل الفواكه للساعة الثانية عشر ظهرا ً .. في الساعة الرابعة صباحا ً وقفنا نتأمّل وجوهنا و الشراب الذي أحضره أحد الأصدقاء ليزيد من تحمّلنا .. في الساعة الرابعة صباحا ً .. أوّل مرة ٍ أذوق فيها طعم البايسن و أبصقه
الصفر الرابع : ضحكت أختي بقوّة و نحن نشاهد مسرحية ( الواد سيّد شغّال ) في قناة الإم بي سي مع أوّل ظهور للدش فوق منازل بيوتنا المهجورة .. فأخبرتها بأن لي رغبة النوم ِ و أتمنى منهم عدم الضحك او إطفاء التلفاز فالساعة متأخرة ٌ , فقالت : إن شاء الله .. ما زالوا يشاهدون التلفاز و ما زال النوم يؤرقني حتى قررت من أخوتي الثلاثة و أختي أن تطفأ التلفاز غصبا .. و ما زال أخي يرفض بشدّة .. أوّل صفعة ٍ أتلقّاها على خدّي منه ُ .. و أوّل مرة ٍ أحمل فيها سكّينا و أحاول طعن احدهم في صدره و يحجب طعنتي باب الغرفة ..
الصفر الخامس : أحدهم يجلس في نهاية مكتبة الجامعة , صديقي يؤشّر ُ لي وهو يضحك أن أنظر لهذا أين يدخل ؟؟!! أوّل مرة ٍ أرى امرأة عارية
الصفر السادس : مبروك يا حبيبتي , فحصت في مشفى الملك فهد و قال لي أنت سليم .. خلص , راح أتقدّم لك بس يكتمل المهر .. . . و بعد عام .. يجب أن يحضر الطرفان ليستلما ورقة الفحص الطبّي .. أحضر أنا و أنت ِ ( هي ) , أنتما حاملين للمرض و لا يصلح أن تتشاركا الحياة الزوجية ْ ..
السنونوّات تهاجر ُ القدس و عشب الجليل ِ يركض في مهب ّ الريح ْ و الطرقات تخرج ُ في مظاهرةٍ شعريّة تصرخُ ( قل للغياب نقصتني و أنا أتيت لأكملك ) و العصافير ُ العصا .. التي تموت ُ في الخليل ْ كحبيبتك ريتا التي لم تحبّك َ أبدا كغزّة .. لم تعد ْ تصافح ُ يافا و الآن لم تعد ْ تراها أيضا ً تلك الفراغات ُ لم تعد ْ صالحة ً للشرب ِ الماء ُ حطّم َ البحر َ ليشرب َ حزنك ْ مالح ٌ موتك َ حتما ً لو أحبّك لكان حياة ً مثلك ْ